كتب: يوسف الحلاق

دارت الكثير من الأحاديث والنقاشات خلال الأشهر الماضية حول سلبيات مشاريع ريادة الأعمال والحاضنات في غزة، والادعاء بأنها مجرد هدر لأموال المانحين والأجدى صرفها في مشاريع أخرى.
ناقشت البعض أحيانا وأحيانا أخرى اكتفيت بالصمت والسبب أنني أرى أن الصورة لدى المنتقدين ورغم قربهم من بعض هذه المشاريع والحاضنات إلا أنها غير مكتملة، ذلك أن من يرى من الخارج ليس بالضرورة يستطيع أن يرى كل شيء حتى لو كان قريبا جدا.

لذا، سأحاول في هذه السطور توضيح الصورة، وذلك في ثلاث محاور: الأول سأتناول فيه شرح مبررات هذه الصورة السلبية، والثاني أوجه النجاح التي تحققت فعليا وأهم أسباب فشل المشاريع الأخرى أما الثالث فهو أهم الاحتياجات والمشاكل التي يجب حلها لنصل إلى بيئة ريادية حقيقية وداعمة للشباب.

أولًا: مبررات هذه الصورة السلبية:

بداية، لنتفق أن أصحاب هذه النظرة والانتقادات على حق في وجهة نظرهم بشكل جزئي، وسأشرح هنا بعض المظاهر التي أدت إلى هذه الصورة السلبية.

وفيما يتعلق بهذه الظواهر فإنني أؤيد الأصوات الداعية لإصلاح هذه المشاكل وتوجيه الأموال للاستفادة منها بشكل أفضل لصالح الشباب، لكني أختلف معهم في نسف وقتل فكرة (ريادة الأعمال) وصلاحيتها للشباب أو لغزة. ففي كل فترة زمنية ينصب اهتمام المؤسسات الأهلية والمانحين -من خلفهم أو من أمامهم- في قضايا معينة والأمثلة كثيرة مثل الإغاثة، المرأة، حقوق الإنسان، الشباب وغيرها، ومن هذا الباب فقد ازداد الاهتمام محليا وعربيا وبشكل طردي وسريع في مجال ريادة الأعمال والعمل عن بعد خلال السنوات الماضية.

وبما أن الغالبية تعمل بنظام رد الفعل، فقد أصبح اهتمام هذه المؤسسات أو الأفراد تلقائيا في هذا المجال.

على صعيد المؤسسات:

بناء على ما ذكرته آنفا ولالتقاء هذه المواضيع مع الاحتياج الشديد لدينا في فلسطين وفي غزة تحديدًا لخلق فرص عمل والتخفيف من وطأة الحصار، فقد كانت الفرصة للمؤسسات الفلسطينية أكبر للحصول على تمويل واهتمام وتنفيذ أنشطة مختلفة في هذا المجال.

طبعا، حتى الآن، هذا الكلام ليس فيه مشكلة، بل بالعكس هي فرصة ولو أحسنا استغلالها ستكون فوائدها ونتائجها مميزة للشباب، لكن المشكلة تكمن في طريقة التنفيذ ومدى جدية واهتمام القائمين في البحث عن أفضل الأنشطة والوسائل لتحقيق هذا الهدف.

فقد دخلت المؤسسات في تنافس (غير مفيد) بينها لتتحدث كل واحدة عن أنها ستنفذ أفضل مشروع في ريادة الأعمال وستتلافى كل المشاكل السابقة، لكن فعليا هي طريقة التنفيذ نفسها وموجهة للفئة واحدة وقليلا ما تتنوع الأنشطة المطروحة، وبالتالي هو تكرار تنفيذ المشاريع لفئة وهدف واحد، مع حاجتنا الشديدة لتنفيذ مشاريع تكمل الطريق، وهذا يتطلب خبرة وهي ما لا تعمل المؤسسات على اكتسابها سابقا، بل جميعها يعتمد على فكرة أن يبدأ من الصفر، وبالتالي أغلب المؤسسات تعمل في الدرجة الأولى من السلم فقط.

أضف إلى ذلك، المحاولة المستمرة لتضخيم النتائج ومحاولة إظهار وكأن المشروع أنتج قصة نجاح لكل شخص شارك فيه، وهو ما يستحيل تحقيقه.

وسواء حصل هذا بحسن نية وسوء إدارة وتنفيذ أو أنانية وحب ظهور أو أسلوب (المهم مشروع ويمشي) أو غيرها فهو واقع سيء ونتائجه ليست على مستوى الميزانية وليست على مستوى الصورة الإعلامية التي يحاولون نشرها والأهم ليست على مستوى النتائج التي يحتاجها الشباب والمجتمع.

على صعيد الأشخاص:

كثر المتحدثين عبر الشبكات الاجتماعية عن ريادة الأعمال بشكل متكرر وسطحي ودون الإجابة على الأسئلة الكثيرة في أذهان المتابعين، كل ذلك بصفات مختلفة إما ريادي أو استشاري ومدرب وغيرها، ومع إحترامي للكثيرين من رواد الأعمال والاستشاريين لكني رأيت البعض –ليس انتقاصًا- لا يبذل جهدًا في الارشاد والتدريب وبالتالي تكون نصائحه سطحية وأحيانا لا تكون مناسبة للمشروع، وأيضا أصبح الحديث حتى عن المشاريع الصغيرة التقليدية باستخدام مصطلحات ريادة الأعمال.

على صعيد الإعلام:

على صعيد الإعلام والتغطية الصحفية فالمشكلة الأبرز تتمثل في التغطية السطحية لقصص النجاح. فما يبحث عنه الصحفيين هو شيء جديد مرتبط بمشكلة الحصار أو يتم ربطه بالواقع السياسي في البلاد بالإضافة أن يكون المشروع ملموسًا  (يعني فيه اشي يتصور جهاز أو مكتب أو غيرها).

وفي الكثير من التغطيات الصحفية التي تابعتها سواء مكتوبة أو مرئية لقصص النجاح تجيب عن الأسئلة العامة الأساسية فقط، ولم يحاول أي صحفي أن يدخل إلى التفاصيل ويختار الأفكار والنقاط الأبرز في تقريره، ومن ثم يمتلأ التقرير بالكلام الإنشائي عن الحصار وغزة وغيرها.

في المقابل، فإن الصحافة الأجنبية كانت تجلس لأكثر من ساعة مع كل مشروع لمعرفة كل التفاصيل وتحديد نقاط القوة والنجاح الحقيقية، وبالتالي يخرج التقرير قوي ومليء بالمعلومات وليس فقط بالكلام الإنشائي.

أضف إلى ذلك، فلا يتطرف أغلب الصحافيون إلى موضوعات من مثل بيئة ريادة الأعمال بشكل مفصل ومنهجي، ولم يتحدثوا مثلا عن نصائح فعلية من الواقع أو تحديد أوجه النقص وما هو دور كل مؤسسة في هذه العجلة، الكل يبحث فقط عن (قصة النجاح والصورة)، وحتى قصص النجاح الحقيقية التي لا يصعب تصويرها تستثنى من التغطية.

من جهة أخرى، فقد انتشرت كثير من قصص النجاح الذي يتحول فيها العامل البسيط الفقير (فجأة) إلى أغنى الأغنياء ويمتلك ثروة كبيرة فقط (بالصبر والكفاح)، هذه القصص ناقصة وفيها الكثير من التفاصيل الغائبة والتي فيها تكمن الفائدة الحقيقية، فهناك الكثير من العوامل تكون لعبت دورا في النجاح، غياب هذه العوامل في القصة يجعل القصة أبسط من أن يستفيد منها الرياديين والشباب.

الخلاصة:

أهم المشاكل فيما ذكرته هي استخدم مصطلحات كثيرة دون تفسير واضح وفي غير مكانها، ورفع سقف التوقعات لدى الجمهور والشباب، وهذا باعتقادي السبب الأساسي في الشعور السلبي وبعض الإحباط لدى الكثيرين تجاه ريادة الأعمال.

لا أدعو هنا لاحتكار العمل في هذا المجال لدى مؤسسات أو أشخاص محدودين -على الاطلاق- لكني أدعو من يريد أن يعمل في هذا المجال أن يبذل جهدًا أكبر من الحالي في فهم الواقع واحتياجاته والطريقة الأمثل لإفادة الشباب والمجتمع.

يتبع…

 

    شارك عبر

مؤسس منصة مشكاة لريادة الأعمال، أخصائي تطوير الأعمال في حاضنة BTI. يعمل في مجال دعم ريادة الأعمال لأكثر من 5 سنوات كمدرب وموجه وعضو لجان تحكيم.

عرض مقالات ذات صلة
التعليقات مغلقة

بامكانك الاطلاع على

هو أنا رائد أعمال؟ أنا مختلف؟ شخصيتي مختلفة؟

في دراسات كثيرة جداً بتحاول تفهم شخصية رائد الأعمال وبتحاول تجاوب على 3 اسئلة مهمة وهم:- 1…